“رواية على كف رتويت” من جويس إلى دانتي إلى غاليانو

رائعة رواية “على كفّ رتويت” للكاتبة زينب الخضيري تُعدّ تجربة سردية عميقة تنبض بالهمّ الوجودي، وعي الذات، ومساءلة العالم، في قالب واقعي رمزيّ يتكئ على تيارات ما بعد الحداثة، ويغزل من شتات الشخصيات مرآةً للانقسام الإنساني في العصر الرقمي، بين التواصُل والتباعد، بين الماديّ والمعنوي، وبين الشهرة والفراغ الداخلي.

الرواية تطرح بشكل خفيّ سؤالاً سقراطياً: من نحن في مرآة الآخرين؟ وما قيمة الحقيقة في عالم يبتلعها “رتويت” Repost ؟

يفتتح الرواية “علي” بقلق وجودي، ينحدر نحو حلم “كابوس ” مستوحى من “الكوميديا الإلهية” لدانتي، حيث يظهر الشاعر الروماني “فيرجيل” كدليل في الجحيم، مشهد رمزيّ يكشف عن ضياع الذات نتيجة الغش، والتسلّق، وغياب المعنى، وهذه الاستعارة تشي بأن مواقع التواصل لم تعد مرآة اجتماعية بل مرآة جحيمية تعكس وجوها فقدت أصلها، وتحوّلت إلى ظلال إلكترونية.

تنسج البنية السردية خيوطها من قصص متعددة، تترابط بخيط خفيّ من القدرية والتمزق العاطفي/الاجتماعي، توزعت بين شخصيات محورية: “غازي”، “علي”، “سامي”، و”رضا التايه”، كل شخصية تعيش انفصالًا عن جذورها: الأب المنفصل عن أولاده، الابن التائه في الرغبة، والحفيد الباحث عن هوية بين الكتب والواقع.نص الروائية زينب الخضيري يعتمد تقنيات ما بعد الرواية: التشظي، التناص، الحوارات المفتوحة، مما يعزز الإحساس بالضياع والبحث عن المعنى في عالم مائع، جاءت لغتها محمّلة بالشاعرية والوجدانية، دون أن تقع في الإنشاء، بل تُوظّف الصور لتكثيف المشهد الوجداني: “القراءة فسحة… مثل بساط علاء الدين”، أو “القشعريرة التي يتوسّع دبيبها في جسدي”.

الرواية تضع نفسها في حوار ثقافي واسع، بدءا من دانتي (الجحيم)، ومروا ً بـجيمس جويس (التاريخ كابوس نحاول الاستيقاظ منه)، وانتهاءً بـإدواردو غاليانو (الكاتب اللاتيني المقاوم) ، هذا التناص العالمي يمنح الرواية بُعدا حضاريا، يضع الشخصية العربية داخل مشهد كوني: شخصيات مشروخة بين تاريخ أليم (كالأب رضا)، وماضٍ حالم (الجد عايش)، ومستقبل غامض (غازي)، كأن الرواية تقول: العالم بأسره يشبه “تويتر” x حالياً؛ مساحة مفتوحة للبوح، لكنه لا يُنصت.

تفضح الرواية السلطة الأبوية والذكورية التي تتوارث القسوة والخيانة كقيمة “رضا” الأب الغائب هو نموذج “الهامور” الذي باع كل شيء مقابل السلطة والمال، حتى ذكرياته، هنا يظهر “غازي” كتجلٍّ إنساني مضاد؛ حفيد جدّه لا والده، ونتاج القصص لا الصفقات.

الصراع الطبقي حاضر بوضوح: أبناء العائلات ،و أبناء تويترX وأبناء البقالة، وبينهم، شخصية مثل “جومانا” تجسّد المرأة التي قررت أن تستغل أدوات السوق (التجميل، التسويق) لتصعد، لكنها تصطدم بحدود استهلاك الجسد الأنثوي كـ”رأسمال رمزي” لا كذات.

هنا نطرح تساؤل هل الرواية على كفّ رتويت أم على كفّ الحياة؟

رواية زينب الخضيري ليست فقط عن تويتر، بل عن الانفصام الحضاري الذي يعيشه الإنسان بين حياة رقمية معلّقة، وحياة واقعية مؤلمة، بين أب باع ذاكرته، وابن يشتري الكتب ليرمم المعنى، وبين حفيدة تتوارث جراح الأمهات، وخسائر الأجداد.”على كفّ رتويت” ليست مجرد عنوان، بل لعنة العالم الرقمي، حيث الكفّ هنا يُمسك بأرواح لا بأجساد، وأسماء لا وجوه، رواية تُعيد للأدب السعودي حدّته، عمقه، وتدخله في صلب الأسئلة الإنسانية.

الامارات 24 ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة الاماراتية و الخليجية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.

اخبار تهمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *