محمد منيع أبو زيد.. يكتب: “في حضرة الصوت – لماذا نحتاج إلى أن نستمع حقًا؟”
في عالمٍ تتصارع فيه الأصوات وتتسابق الكلمات، ننسى كثيرًا أن نصغي. في زمنٍ يزدحم بالتغريدات والتعليقات والضجيج الإعلامي، غابت مهارة الاستماع، ذلك الفن الراقي والعبقري الذي يُغني الفهم، ويُعلي من شأن الحوار، ويُرمم جسورًا كثيرًا ما تهدمت بالصراخ وسوء الظن.
ومع حلول اليوم العالمي للاستماع في 18 يوليو من كل عام، تُفتح أمامنا نافذة تأملية كبيرة: هل نحن نستمع حقًا؟ أم أننا فقط ننتظر دورنا في الكلام؟
تكريمًا للصمت المُنتج: مشروع عبقري بدأ من الصوت
يعود أصل هذا اليوم إلى مبادرة استثنائية تُدعى World Soundscape Project، أطلقها الموسيقي الكندي رايموند موري شافر، والذي أدرك منذ عقود أن الاستماع لا يعني فقط سماع ما يُقال، بل الانتباه لما لا يُقال أيضًا، لما يختبئ بين نبرات الصوت، وبين تنهيدات الصدور، وبين صمت الأماكن التي نمر بها ولا نلحظها.
شافر لم يكن مجرد موسيقي، بل كان فيلسوفًا للصوت، جعل من البيئة السمعية كنزًا يجب تقديره، لأنها لا تروي فقط الحكايات البشرية، بل تحكي عن الأرض والهواء والمدن والطبيعة، وتعلّم الإنسان كيف يكون جزءًا واعيًا مما يحيط به.
لماذا لا نستمع؟ سؤال مؤلم أكثر مما نتخيل
رغم أن آذاننا مفتوحة دائمًا، إلا أن قلوبنا كثيرًا ما تكون مغلقة. نحن نُجيد الحديث، النقاش، الجدل، المقاطعة… لكننا نُخفق في الإصغاء.
لماذا؟ لأن الاستماع يتطلب منا ما لا نحبه عادةً:
• الهدوء في الداخل.
• التواضع أمام رأيٍ مختلف.
• الاستعداد لأن نُغيّر أنفسنا بعد أن نفهم الآخر.
نحن نسمع… لكن لا نستمع.
نُجيد الرد… لكن لا نحسن الفهم.
نُحب الانتصار في الجدل… ولا نُحب الانتصار في التفاهم.
خسارات صامتة… كلها بسبب عدم الاستماع
كم من علاقة انتهت ليس بسبب الخيانة أو القسوة، بل لأن الطرف الآخر لم يشعر يومًا أنه مسموع؟
كم من أبنٍ تمرّد لأن والده لم يستمع له يومًا؟
وكم من زوجين افترقا لأن أحدهما كان يظن أن الآخر لا يُنصت؟
وكم من صداقاتٍ خنقها الصمت المتعالي، وليس الخلاف الحقيقي؟
الاستماع ليس مجرد وسيلة راقية في التواصل… إنه صمام الأمان للعلاقات.
حين نستمع بصدق، نحن نقول:
“أنا أراك… أنا أفهمك… أنا أقدّرك.”
التفاعل مع الصوت من حولنا: أكثر من مجرد “سماع”
الضوضاء التي نشتكي منها يوميًا لم تكن دائمًا مزعجة. كثير منها كان في السابق بيئة صوتية حيّة تعبّر عن مجتمعٍ نابض.
أنصت يومًا للرياح وهي تمر بين الأشجار…
استمع لخطوات المارة في شارع قديم…
دع لحن الحياة يُعيد تشكيلك.
الاستماع للبيئة من حولنا يجعلنا أكثر وعيًا، أكثر اتصالًا، وأكثر إنسانية.
الاستماع… رفاهية الأذكياء وتواضع العظماء
• الاستماع يُغني الفكر.
• الاستماع يُنمّي الذكاء العاطفي.
• الاستماع يُعلّمنا التفاهم لا المشاحنات.
• الاستماع يُنقذنا من الحُكم المسبق، وسوء الظن، والأنانية السلوكية.
العظماء لا يصرخون… بل يصغون.
دعوة نابعة من الصمت
في اليوم العالمي للاستماع… دعونا نحتفل بهدوءٍ مسؤول.
لنصغِ إلى:
• من نُحب، دون مقاطعة.
• من نختلف معه، دون تحفز.
• من نجهله، بنية التعرف.
ولنُدرّب أنفسنا على أن نكون أكثر إنصاتًا لأرواحنا أيضًا…
لأن من لا يسمع نفسه، لن يُجيد سماع غيره.
وأخيرًا…
الاستماع لا يحتاج إلى تقنيات معقدة…
كل ما يحتاجه هو:
• نية خالصة للفهم،
• وصدرٌ رحب يتقبل الآخر كما هو،
• وقلبٌ يُقدّر ما يسمعه، حتى وإن لم يتفق معه.
فلتكن هذه اللحظة هي البداية… بداية أن نُصغي لبعضنا، لا أن ننتظر دورنا في الحديث.
18 يوليو، ليس يومًا عاديًا… إنه تذكير بأن الحياة كلها تُعاد صياغتها حين نبدأ بالاستماع.
#اليوم_العالمي_للاستماع
#استمع_تفهم
#الصوت_حياة
الامارات 24 ، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة الاماراتية و الخليجية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار العالمية و المحلية، الاقتصاد، تكنولوجيا ، فن، أخبار الرياضة، منوعات و سياحة.
